مذكرات عن بعد

أغسطس 2019

كتبت في تويتر رأيي في التعليم من المنزل، وهو أحد خيارات التعليم الموجودة في أمريكا.. حيث يلتحق الأطفال بالمدارس من البيوت.
كنت أرى الفكرة لا تعدو أكثر من أعباء إضافية على الأمهات.. غير مدركة أن ذلك ما سنؤول إليه جميعاً بعد أشهر قليلة لاحقة..

وليس من رأى كمن سمع.

فبعد التجربة لمست أبعاداً ماكنت لأراها لولا الوقوف عليها.. فقررت أن أشارك  تجربتي لكني فضلت تأجليها لحين انتصاف الخبرة.. ثم تأجلت لإتمام الخبرة.

ثم تأجلت لأني وقعت في فخ التأجيل الغير مبرر..

تنبيه..

التدوينة ليست لمشاركة تجربة مثالية أو توصيات ..هي مذكرات ليوميات عادية .. تبدأ بمفاوضات للجلوس على المنصة ولم تنتهي..

يوميا..

لحين دخول المعلم، يتشاغل الأطفال بمحادثات جماعية وأخرى كتابية، متجاهلين قوانين الإنتظار، ممنوع فتح الكاميرا.. ممنوع الكتابة في صفحة الدردشة..

يدخل معلم الرياضيات..يغضب وينهال مهددًا أو متوسلًا وما بينهما من كل الأساليب تطرفاً إلا الحكمة!

يستمر ابني عمران في الكتابة في الدردشة أو “الدشدشة” كما يسميها، حتى لو اضطر أن يكتب لصديقه “لا تكتب” المهم أن يكتب.

وبغض النظر عن ما كتبه سواء أكان للحفاظ على سلامة الصفحة من العابثين أو للعبث أو الوعظ، يواجه ذات المصير من الملامة والعتاب والتهديد الغير نافذ.

لا المعلم نفّذ تهديداً ولا عمران سلّمه الراية.

أما أنا فلازلت أذكِّره بأن لا يبادر بجهد محمود في نظره مذموم في نظر معلمه وأتركه يواجه مصيرًا يعرفه جيدًا.


حدث..

يشكو طالب من مرض ألمّ به وسيلازمه مدىً بعيدًا من عمره ويرد عليه المعلم “ماعليه تكفير ذنوب”.

يسكت الطالب وأحمد الله أنه طفل بريئ وعربيته بالكاد تسيره ، فلعله ماسمع أو مافهم.

أما معلم العلوم فبلغ بجهده أن ربط العلوم بمقولات الأولين ” كل حيوان له آذان براسه يولد” في اختصار عظيم لتحديد الحيوانات التي تلد والتي تبيض ردًا على سؤال أحد الطلاب.

وليذهب الكتاب المعقّد إلى الجحيم ولتحيا سنن الأولين!

فن..

معلم يوكل الطلاب بمهام قيادية بالتناوب..فيعلن في أول كل حصة عن معلم مساعد، بوظيفة محددة مقتصرة على تحديد من سيقرأ النص اليوم وشُكر صديقه عند نهاية المقطع المحدد..
تدور الحصة بتوجيه دقيق مدروس من المعلم لكن بشكل يعتقد معه الطالب الطفل أنه صاحب القرار.
وأدوار أخرى بسيطة موزعة مع كل فقرة بالدرس.

لا يدخل هذا المعلم في صراعات مع الطلاب لضبطهم، الكل مشغول بدوره.

لكن كرونا أبت إلا وأن تحبسه فصلًا دراسيًا كاملًا.

ولا يزال ابني كل يوم و قبل بداية الدروس يبحث عن اسم معلم المادة اليوم آملا أن يكون أ/خالد ولا يكون 

شفاه الله وعافاه وجعل ما أصابه طهورًا ورفعة.


فراغ.. 

جميع الطلاب يذهبون إلى المدرسة. هذا هو المفهوم الواسع جدًا للتعليم، أما في وضعنا الإستثنائي فالمدرسة هي من تحضر.

لست متأكدة تماما من أن ابني تعلم بالمفهوم المتفق حيث أن مدرسته في غالب الأيام ” لم تحضر”!

الفصول مفتوحة يقودها شلة من الأطفال الأوغاد..يفتك بعضهم ببعض ثم سرعان ما يعم السلام بين المنتصر والمهزوم مُشكلين حلفاً جديداً أشد شراسةً، وعدو الأمس صديق اليوم اتفاق لا يُنقَض.


أزمة..

في بداية العام الدراسي أعلنتُ إخلاء مسؤوليتي من التعليم والتدريس بحجة أني لست معلمة وعليه أن يتحمل مسؤولية التعلم وحده وسيقتصر دوري على الدعم عند الحاجة.

لكن يبدو أني وقعت في شر أعمالي واضطررت أن أعيد صياغة دوري بعد مقدمةٍ وإسهاب لأتمتع بصلاحية فرض الدروس والواجبات فإخلاء الطرف الذي قدمته مسبقاً سلبني كافة الأهلية و الصلاحيات.

وبرمنا عقداً جديدًا يجر فيه كلينا أذيال الخيبة من مدرسة “لم يحضر أحد” .


خيبة..

لم يشرح معلم القرآءة مفردات نصٍ قط، ولم يتحدث الفصحى ولو مرة!
لم يقدم معلم العلوم ولو صورةً علميةً وحيدة تقرّب المعنى من خيال الأطفال،ولم يفتح معلم الرياضة الكاميرا أبدًا.
لم يستعن معلم الرياضيات بأداة تقرب الفكرة ولا حتى نفذّ تهديدا أو كف عنه يوماً،ولم أفهم حتى الآن لم يؤجل وجبته لحين الدرس فيتختلط الدرس بصوت الطعام!


نقش.. 

ربما لم أنجح كمعلمة .. ولكني سعيت.. ومن فضل الله أنا كنا ندرس مستندين على معارف سابقة من معلمات -العام الأسبق لكرونا -حيث نقشن العلم في عقول أطفالنا نقشاً.

لكنه كان وفق سلوكٍ نمطيٍ رتيب يعتمد على التكرار، وشرطه الإرتكاز على المقعد لحين أن يفهم الجميع لا فردية ولا استثناءات.

كنا بحاجة لإستراحة وتجربة تعلم ٍحرّ

وقد حدث.


نقطة..

وضعت التجربة أوزارها، بكل ما حملت ثقلاً وخفةً ونجاحاً وإخفاقا، فبعد فترة من الإعتياد زالت الهيبة وبدا الجميع طبيعياً.. وعلى الرغم من تباينها إلا أنها كانت استثنائيةً وعكست صوراً حقيقية جداً عن الجميع. 

حضرنا مشاكل أطفالنا التنمر والخجل وصعوبات التعلم وتشتت الإنتباه والكثير من المواقف إيجاباً وسلباً.

شهدنا تباين مستوى التعليم الخاص عن الحكومي وتعليم البنات عن تعليم البنين التزاما وتشدداً.

رأينا المعلم المثقف و قليل الثقافة. ولا عجب فالتعليم الآن لم يعد معرفة وحسب.. ومالم يُحِط المعلم نفسه بجديد المعرفة أصبح مثقلا بمعرفة بالية.

والطالب لم يعد بسيطا حدود معرفته ما يحدثه به معلمه. 

ولا أخفيكم أني وجدتها تجربة السلام وحققت لنا فردية التعلم، وتعزيز الذات، وتحول مفهوم التعلم في عقول أطفالنا من كونه روتيناً صباحياً إلى مفهوم العلم يعني أن تعرف.

يستمع ابني للمعلم فيما يقف على يديه ويعود سريعا ليقف على قدميه ليرد حين يسأله. 

يلون حين يكون الدرس مملاً ويقفز الحبل و ويلعب بالكرة ويشكل أشكالا بالصلصال 

ويكتب  وهو جالس على كرة التوازن. 

يختلق فكرة للتصالح مع الملل في حدود غرفة الدرس 

وأنا حارس الغرفة. 

لم تكن سهلة ولا مثالية لكني وجدت تعليماً حراً و قد تكون خياري المفضل إذا اتيحت لي فرصة الإختيار واتسعت الخيارات لتصبح عالمية بدلا من حصرها في مدارسنا المحلية ويتمكن أطفالنا من الإلتحاق بأي مدرسة حول العالم.

المجتمعات الآن لم تعد قاصرة على المدارس..طفلي يختلط بأصدقاء النادي والحديقة وأماكن اللعب والعائلة وأبناء الأصدقاء.

المجتمع لم يعد مدرسة فحسب.

فلم ينحصر التعليم في مدرسة الحي أو المدينة؟!

اختلفت تفاصيلنا لكن كل تجربة كانت تجربة حقيقية جدًا وفرصة للوقوف والمعالجة.

انتهى…
الإعلانات

أصلاً عادي ..

عادية الأمور تعني..لا استفزاز للشعور ولا ارتباك ولا أدرينالين يأخذك لحدك الأقصى.. 

عادية الأشخاص.. معدلات مستقرة من كل شي.. حتى من كانت سماته استثنائية بطبعها.. في الذكاء.. الجمال.. البديهة.. الحركة..هو مستكن إلى ذاته مستقر في استثنائيته..

لكل عاديته..وسكينته..

الأيام العادية.. أمور متوقعة وروتين مكرر.. دوبامين مستقر وان كانت رتيبة .. 

عادية الأشياء.. ألوان بسيطة .. تفاصيل جميلة..لاتُمل..تزهو بأبسط الأشياء.. 

معطف أنيق.. يزهو بالثوب ويزهر.. 

تحفة جميلة تخلق للمكان العادي روحا جديدة..

الكلاسيكية عادية أنيقة..

نتوق لتجارب جديدة وأهداف صعبة وأيام مختلفة أهدأ أو أسرع ..آخذةً  بنا لأقصى الشعور..

ثم نجنح بعدها لعادية تلملم شتات الفوضى..

العادية أصل..يشبهنا ويفّردنا…نستكن إليه..

في حين يركض بنا جنون المبالغة لجديد مختلف كل مره ..لا نهاية .. ولا وصول..

العادية سكن فلم نهاجر؟!

عيد ..

الثلاثاء 

11:46 قبل منتصف الليل 

ثالث أيام العيد ..

أمّا وقد أوقَعَت الحمامات رسائلكن على نافذتي ..كانت على عجل .. وكنت على وجل ..

 لطالما أحببت قرآءة الرسائل..

قرأتها وكأنها وصلتني اللحظة..

ورددت عليها .. وكأنها كتبت لي..

حقيقة .. ما أن انتهيت إلا و انساب الحرف على أصابعي .. فبعثت.. 

وبعد ..

لم تزل ربكة العيد تخطف عقلي وتؤرجح قلبي..آخذة بي لكل شعور من أعلاه إلى أدناه .. 

و لازلت منبسطة من الخارج متقوقعة من الداخل.. 

العيون الصغيرة التي تترقب العيد في عياناي تستحق ..

علّقت الزينات .. وصنعت كعكة العيد .. وأعددت الملابس الصغيرة .. وبجامة العيد .. وغلفت الهدايا .. ونفخت الكثير من البالونات.. وأنا التي لا تحبها ولا تتفق معها .. 

صنعت عيداً لا يشبهني.. لكنه يليق بانتظار العيون الصغيرة  المترقبة .. والأيادي المنبسطة لتنال الفرح مني..

فبسطت ابتسامتي وأغلقت عيناي ..

رتبت مائدة  الإفطار .. وصندوق الحلويات .. بعد انتقاء طويل. 

سقطت البالونات مرات كثيرة فلم أجهز بالوناً قبل ..لكني بحثت كثيرا كيف أجعلها ثابتة كثباتي في مهمة كهذه ..

وجاء العيد .. كان يكبرني بكثير .. أثقل من أن أحمله وحدي.. وأكبر .. 

من أن تسعه عيناي أو أن يحتمله صوتي .. ولا حتى يداي مجتمعتان ..

قررت أن أحتال عليه …. 

وضعت جزءا منه على مائدة الإفطار في خبزة استثنائية تصنع للعيد تختزل طعم العيد وشكله .. وألوان يحبونها.. 

وخبأت جزءا منه في صندوق الحلويات .. فأفاض عليهم بكرمه -كقِدْر الكاسترد- حتى صارت الحلويات ذلك اليوم بلا حد 

وجعلت جزءا منه في الهدايا .. حتى أصبحت أنا جزءاً من اللعبة ذلك اليوم ..   

لقد وزعته بعناية.. 

وأخيراً انساب بقية العيد في قلوبهم واستلقيت كجندي أتم المهمة .. 

أخبروني .. هل كان العيد خفيفاً تحمله النسمات لدرجة أننا لم نستغرق كل هذا الجهد لتقديمة ..

أم أن الأبواب المشرعة كانت تَسَعه .. وأعدادنا مجتمعة كانت تحمله بخفه؟

نسيت أن أخبركم .. بأن موروثاتنا القديمة  هي من أنقذتنا في استحضار العيد.. شكلاً ولوناً ومذاقاً..

وشكراً لبيجامة العيد.. فنحن نرتديها كل مرة لنخبرأنفسنا فقط أن العيد قد حضر .. وقد فعلت ككل عام .

انتهت الرسالة 

و كل عام وأنتم بخير ..

نهى القرشي

شاي عالحطب

أنا ابنة المدينة ..

تعلمت المشي واعتدته عاى الأرضيات الصلبة مهما بدت وثيرة.. والجلوس على المقاعد المرتفعة وإن كانت حجرية ..

كوب الشاي يُعَدّ في دقيقتين ..

والقهوة تصنعها الآلة ..

والنار عُوِّضت بالكهرباء..

تسليتي تكمن مابين الأجهزة والكتب أو الخروج لأماكن يخدمنا بها العاملون فيها كجزء من مهمتهم.. فيما نحن منشغلون بالحديث والمشاركة …

المطر والجو الجميل في المدينة .. يشحذ بي رغبة للإستمتاع بالجمال عبر شُرْفَة ..

للخبز برفاهية .. والاستمتاع بالرائحة ودفء العائلة وحديث الأصدقاء .. وكوب زنجبيل..

المطر.. فرصة لمتابعة مسلسل عائلي فيما نتناول الرز بالعدس كوجبة دافئة ارتبطت بالمطر ..

المطر .. صوت ورائحة .. وسماء داكنة .. وبعض الفضول عبر النوافذ والابواب ..

انعكاس أضواء الشارع على الأراض المبتلة ..

 

الجو الجميل في المدينة .. فرصة لاجتماع الأصدقاء في أماكن بلا أسقف .. بمقاعد وثيرة .. وخدمات كاملة .. وسعادة..

جلسة شواء في ساحة منزل .. بكثير من التسهيلات .. والخدمات ..

 

المطر والجو الجميل لا يشحذ بي أي رغبة للصحراء .. أوحماسة لعقدة اشعال النار للفوز بإبريق شاي على الحطب .. يتطلب مني الكثير من التحدي لإبقاءه ثابتا على الأرض وآمنا عن الذباب ..

لا تعيدني تلك الرحلات لأي أصل ولايربطني بها ذكرى ولم أتعلم قبلاً المشي على أرضيتها التي تبتلع قدماي كلما لامستها .. وكأنها تعرف سلفاً أني لست من أهلها ..

أرض الصحراء لا تشبهني .. أنا لا أعود لشيء حين أخرج للصحراء .. أنا أخرج من النعيم والراحة .. والدفء .. إلى مشقة ليس لي بها ناقة ولا جمل …